-->

رحلة النجاة في قسوة الطبيعة





اضغط هنااضغط هنا

null

بيسان كانت تحب الجبال. كانت تحب الشعور بالحرية والمغامرة عندما تسير على الثلج وتتنفس الهواء النقي. كانت تحب أيضًا لؤي، صديقها الذي كان يشاركها هذه الهواية. لقد كانا يخططان لرحلة طويلة في الجبال منذ فترة، وكانا يتطلعان إلى قضاء وقت ممتع معًا. لكنهما لم يتوقعا أن تتحول رحلتهما إلى كابوس في قسوة الطبيعة.

الفصل الاول : عند حافة اليأس

لؤي: ما رأيك في أن نخوض رحلة طويلة معًا؟

بيسان: أنا لا أدري مدى خطورة الرحلات معك، يا لؤي.

لؤي: سوف نذهب بطائرة هليكوبتر صباح يوم الجمعة إلى جبل، حيث سنكون بمفردنا لقضاء عطلة. سنتحدى التضاريس الجبلية ونستمتع بالجو البارد والمثلج. سنشعل النار وننام في خيمة، وسأقوم بتجهيز كل الضروريات. كل ماعليكِ هو إعداد بعض الملابس الدافئة. أنا سأتولى التجهيزات الأخرى.
بيسان بحماس: حسنًا، سأكون معك صباح الغد في السابعة صباحًا.


ذهبت بيسان إلى المنزل مشعة بالحماس، رغم بعض القلق الذي شعرت به حيال قرارها، إلا أنها قالت في نفسها: "الاستراحة من العمل ستكون جيدة، فأنا محبوسة في ذلك المكتب. ربما هذا ما أحتاجه الآن لتصفية ذهني، ومن ثم يمكنني العودة والبحث عن عمل آخر."

اتصلت بيسان بمكتب عملها وأخبرتهم بأنها مريضة قليلاً، ثم أخبرت والدتها أنها ستذهب مع صديقاتها في معسكر قريب، دون أن تكشف لها كل التفاصيل. كانت والدتها تعاملها بشكل جيد جدًا ولم تظهر قلقًا عليها.

بيسان فتحت الخزانة واستخرجت أدوات الدفء، مثل القفازات الأكثر دفئًا والملابس الشتوية والقبعة، وقالت في نفسها: "سأرتدي عدة طبقات أيضًا."

لانها شاركت في اثنتين من هذه الرحلات مع لؤي من قبل، وكان دائمًا يمكنه الانطلاق إلى أي مكان يريده وفي أي وقت. قد عرفت لؤي منذ حوالي عام، منذ أن اشترى والده الفندق المحلي الذي كانت تعمل فيه.

وأكملت في نفسها: "أنا فعلاً محظوظة في لؤي، لقد علمني أساسيات البقاء في الهواء الطلق والمشي لمسافات طويلة. لقد كان الأمر مثيرًا وجعلني أشعر بالحرية في أن أكون مغامرة."

رتبت كل شيء في حقيبتها وذهبت إلى سريرها. رن المنبه في وقت مبكر من صباح اليوم التالي، وقفزت إلى الحمام. وعندما انتهت، اتصل لؤي على الفور.

لؤي: "هل أنت مستعدة يا عزيزتي؟"
بيسان: "نعم، لأنني في الواقع لم أنم كثيرًا الليلة الماضية."

خرجوا وأغلقت بيسان الباب وتوجهت إلى السيارة مع لؤي، ثم ذهبوا إلى صديق له يمتلك طائرته الخاصة. كان لؤي قد اتفق معه أن ينزلهم في مكان متفق عليه على رأس الجبل، ثم يأخذهم مرة أخرى في وقت متأخر من بعد ظهر يوم الأحد. كانت بيسان مرتاحة في ترك التفاصيل لـ لؤي، فهو يعرف الكثير عن رياضة المشي لمسافات طويلة والتخييم والمغامرات.

عندما صعدوا على متن الطائرة الصغيرة، تسارعت نبضات قلبها. فهي لم تكن قد صعدت على متن طائرة هليكوبتر من قبل. لم تكن تدري مما إذا كانت تشعر بالإثارة أم بالذعر، إغمضت عينيها عندما صعدوا إلى السحاب.

لؤي أمسك بيد بيسان وقال بابتسامة: "لا تتوتري يا عزيزتي."

ابتسمت بيسان وردت: "أحاول عدم التوتر." وبعد بضع ساعات، هبطوا على قمة جبلية. ألقى لؤي معداتهم ونزل من الطائرة، ثم مد يده لمساعدة بيسان في النزول.

صرخ لؤي
بصوت عالٍ للسائق: "شكراً، سنراك مرة أخرى هنا يوم الأحد الساعة الثالثة!"
وكان هناك عدة أمتار من الثلج على الأرض ، والجو كان باردًا، كانت قمة الجبل خالية من أي أثر للبشر، لا آثار أقدام في الثلج، ولا متزلجين، ولا سياح، فقط هم والطبيعة. كان الوهج المنبعث من الثلج الأبيض مذهلاً .

لؤي: "حسنًا يا عزيزتي، سنجد مكانًا جيدًا لإقامة المعسكر." ثم مشوا لمدة ساعة تقريبًا،
سألت بيسان: "لؤي، أشعر أننا بعيدين جدًا عن نقطة الموعد للطائرة، ألا يجب أن نتوقف؟"

لؤي: "هذا الجبل أكثر انحدارًا بكثير من الجبال الأخرى التي كنا عليها. نحن بحاجة إلى منطقة مسطحة للإعداد فيها. سنمشي قليلاً أكثر، هل يمكنك المشي لمسافة أبعد قليلاً؟"

بيسان: "نعم، يمكنني." وبعد مرور ثلاثين دقيقة تقريبًا، قال لؤي: "ها أنا أرى أن المكان هنا مثاليًا." بدأوا بنصب الخيمة وحفر حفرة للنار.

لؤي: "لقد جهزت حبوبك المفضلة."

بيسان: "هل تذكرت فتاحة العلب هذه المرة؟" قالت وهي تضحك، لأنها تتذكر آخر رحلة قاموا بها معًا.

لؤي: "بالطبع، لن أنسى ذلك
مرة أخرى ، اعتقدت أننا سنموت جوعًا في تلك الرحلة. أمل أن نتمكن من العثور على غزال أو ثعلب بعد ظهر هذا اليوم."

بيسان: "آمل ذلك." وقالت في نفسها: "أنا أكذب،" حيث لم تكن تحب الصيد وكانت الفاصوليا مناسبة لها.

لؤي: "هيا، لنرى إن كان بإمكاننا العثور على العشاء لنا." سلم لؤي سكين ل بيسان لأن وظيفتها كانت دائمًا تحديد الأشجار أثناء استكشاف المنطقة لكي يتمكنو من العودة واتباع تلك الاشارات التي تضعها بالسكين .

لؤي: "هل رأيت ذلك؟" سأل بهدوء.

بيسان: ونظرت حولها، ولكن لم ترَ شيئًا.

لؤي: "أعتقد أنه نسر، رأيته للتو يطير على بعد حوالي خمسين متر."

بيسان: "هل يمكننا أن نأكل النسور؟"

لؤي: "لا، ولكنه هنا لسبب ما. لا بد أنه يأكل شيئًا ما، ويستحق النظر فيه."

بيسان: "لا أفهم."

لؤي: "حسنًا، ربما يأكل غزالًا صغيرًا وأمه ليست بعيدة... أو العكس، فأنت لا تعرف أبدًا."

تبعت بيسان لؤي إلى أسفل الجبل وهو يتتبع الطائر بحماس، وكان على حق. كان هناك غزالًا مكتمل النمو، محاطًا بعدد قليل من النسور. بيسان لا تحب إطلاق النار، ولكن في هذه الحالة، قد لا يتمكنون من البقاء على قيد الحياة.

سمعت بيسان صوت إطلاق النار، فأغمضت عينيها على أمل أن يكون قد أخطأ. رفرفت النسور بأجنحتها وطارت بعيدًا.

لؤي: "نعم! لقد حصلت على غزالٍ!" صرخ وهو يركض نحو الغزال.

شاهدت بيسان لؤي وهو يلف الغزال الصغير في قماش القنب ويرفعه على كتفه. اتبعوا العلامات التي وضعتها بيسان على الأشجار أثناء عودتهم إلى موقع المخيم، وجمعوا الحطب لإشعال النار. كان لؤي يتولى تنظيف وطهي الحيوانات دائمًا، ولكن بيسان لم تجرؤ على ذلك ابدا.

لؤي: حسنًا، يمكننا أن نقيم وليمة بعد قليل جلسوا حول حفرة النار يأكلون ويخططون لمغامرتهم في اليوم التالي.

بعد وقت قصير، دخلوا الخيمة وذهبوا للنوم. وكان لؤي ينهض كل فترة ويضع بعض الحطب على النار ليشعروا بالدفء في صباح اليوم التالي. أمسك بالبندقية وجهز حقيبة ظهر مليئة بألواح الشوكولاتة ومصباح يدوي وبوصلة وبعض الضروريات الأخرى. كان يأمل في العثور على غزال آخر لتناول العشاء الليلة، في حين كانت بيسان متحمسة لاستكشاف الجبل والبحث عن شلالات ومناظر خلابة.

وفيما كانوا يسيرون، قال لؤي: "استمري في التحرك لتشعري ببعض الحرارة، كلما تحركت أكثر ستحصلي على المزيد من الدفء." ثم أضاف: "لدينا اليوم فقط للاستكشاف، وغدًا لن يكون لدينا الكثير من الوقت لأي شيء سوى المشي لمسافات طويلة حتى نقطة اللقاء مع الطائرة، وتذكري أن الصعود أصعب بكثير."

لؤي: "أرى أرنبًا هناك، هل ترغبين في تجربة مهاراتك في الرماية؟" سألها وهو يسلم البندقية لها.
بيسان: "لا، تفضل يا لؤي، واحتفظ بها."

أطلق النار، ولف الأرنب لتناول العشاء لاحقًا، وواصلوا المسير. واصلت أيضًا بيسان ووضعت علامات على الأشجار كما علمها لؤي، وفي النهاية، وصلوا إلى منطقة مفتوحة، حيث حصلت بيسان على ما جاءت من أجله، وهو المناظر الطبيعية الجميلة للجبال؛ جبال لا نهاية لها مغطاة بالثلوج، وقمم ووديان جميلة، وعلى مسافة بعيدة شلال.

بيسان: "أوه، انظر إلى ذاك الشلال، إنه أمر مذهل."
لؤي: "هل تعتقدين أنه يمكنك الوصول إليه؟"
بيسان: "سأتمكن من النزول، لكنني لا أعرف إذا كنت سأتمكن من العودة إلى موقع المخيم بعد ذلك."
لؤي: "يمكنك فعل ذلك يا عزيزتي، هيا يمكننا أن ننزل سريعًا ونأخذ استراحة عند الشلال، ثم نأخذ وقتنا في العودة للصعود قبل حلول الظلام."

قفز لؤي من فوق وأشار إلى بيسان بيده، قائلًا: "اسرعي."
بيسان: "لقد كنت على حق، هذا مذهل عن قرب." اتسعت عيناها وتسارع نبض قلبها من الإثارة. جلسوا لبعض الوقت معجبين بالطبيعة في أفضل حالاتها وتناولوا وجبات خفيفة من بعض ألواح الشوكولاتة التي أحضروها.

لؤي: "أعطني زجاجة الماء الخاصة بك يا بيسان وسأملأها لرحلة العودة." ثم مشى نحو حافة صغيرة مصنوعة بشكل طبيعي من الصخور وانحنى لالتقاط المياه المتساقطة في الزجاجة.

بيسان: "لا تتبلل يا لؤي، إذا تبللت في الماء ستتجمد حتى الموت." قالت ذلك وهي تتأمل الطبيعة، ثم أدارت رأسها لتنظر إلي لؤي. شاهدت بيسان برعب وهو يتعثر، وتسقط زجاجات المياه ويفقد توازنه على الحافة الصخرية الزلقة.

صرخت بيسان: "لؤي!" وهي تركض نحوه برعب، شاهدته وهو يسقط، لذلك كانت تركض بحذر شديد لتجنب الوقوع أيضًا، مع الحرص الشديد على عدم فقدان التوازن. كانت تعتقد أن المسافة قريبة، لكنها بقيت تركض على مسافة طويلة حتى وصلت إليه.

"يا إلهي، لؤي، أنا قادمة!" بكت عندما اقتربت منه ودخلت في الماء والصخور لتصل إليه. "لؤي، لؤي، لؤي!" لم يتحرك ولم يرد عليها. حاولت أن تقلبه على ظهره، لكنها لم تكن قوية بما يكفي لتحريكه. ركعت بجانبه وبكت حتى أدركت أنها لا تستطيع الشعور بساقها؛ فقد كانت ساقها مبللة وشديدة البرودة.

قالت بيسان وهي تبكي بشدة: "ماذا سأفعل، لؤي مات، يا إلهي، ماذا سأفعل؟" حاولت التمسك بنفسها والوقوف، لكنها شعرت أن وجهها يتجمد من دموعها. بدأ الثلج يتساقط من السماء. صرخت بأعلى صوتها: "النجدة! ساعدوووني!" كانت تسمع صدى صوتها يتردد على الجبل، وعلمت جيدًا أنه لن يأتي أحد؛ لأنه ليس هناك أحد.

خرجت بيسان من الماء، وتعثرت عدة مرات، وسقطت واصطدمت ركبتها بالصخور. كانت أطراف الصخور مدببة وحادة الحواف، شعرت بالدم يسيل على ساقها داخل سروالها. "يا إلهي، ساعدني، من فضلك يا إلهي، ماذا أفعل؟"

ركضت بيسان بشكل هستيري، وأمسكت بالبندقية وهي تشعر بالذعر. أمسكت أيضًا بحقيبة الظهر، وقررت العودة إلى أعلى الجبل، حيث المخيم. كانت تحتاج إلى المأوى ودفء النار في هذا الجو البارد. وسط الدموع والثلج، لم تستطع أن ترى إلى أين تتجه، ولم تكن لديها أي فكرة عن الوقت، بينما لؤي كان لديه الساعة، ولكن عليها العودة قبل حلول الظلام.

كانت مرتبكة وفوضى الأفكار تسيطر على ذهنها. كانت تعلم أنها يجب أن تجد الطريق للعودة إلى المخيم بأسرع وقت ممكن، قبل أن يحل الظلام. فحاولت ان تتذكر المسافة التي قطعتها قبل أن يسقط لوي، وحاولت البحث عن آثار الأقدام في الثلج، ولكنها بدأت تتلاشى بسبب تساقط الثلوج الجديدة.

قررت التخلص من حقيبة الظهر التي كانت ثقيلة للغاية، فكانت لا تستطيع حملها ثم قالت في نفسها وهي تحاول جمع شتات أفكارها: "أنا بحاجة فقط للوصول إلى موقع المخيم، سأكون هناك على ما يرام." استمرت في المشي برغم خفقان ساقها بالدم، ورغم الظروف الصعبة، وواصلت الصراخ طالبة المساعدة. لكنها سرعان ما اكتشفت أنها لا تستطيع العثور على علامات الأشجار بسبب صعودها بشكل خاطئ وبسبب الرياح وتساقط الثلوج.

ثم سقطت على الأرض، وزحفت نحو شجرة قريبة، جلست واغمضت عينيها، والبندقية ما زالت في يدها. عندما فتحت عينيها مرة أخرى، كان الظلام قد حل، شعرت في برد الشديد ،وجسدها كان يرتجف بلا رادع. وقالت في نفسها: "هكذا ستنتهي حياتي، سأموت هنا، أنا ولؤي، لن يجدنا أحد، ربما تأكلنا النسور أو تأكلنا الثعالب."

ثم أضافت بقوة: "يجب أن أنهي الأمر، الخيار الوحيد هو الضغط على الزناد، هذا هو مصيري، أو البقاء هنا والتجمد حتى الموت." رفعت البندقية نحو ذقنها، ويدها على الزناد، وعندها سمعت صوت لأوراق الشجر وصوت حيوان ، خافت ووجهت البندقية عليه وهي تقول في نفسها لا بد انه ذئب يجب ان اطلق النار عليه ومن ثم اطلق على نفسي اذا لم اطلق النار عليه ربما يهجم علي قبل ان استطيع ان اطلق النار على نفسي .
حاولت البقاء هادئة. حينما ظهر رأس الحيوان، حاولت الضغط على الزناد، لكنها أسقطت البندقية. وركعت وأغمضت عينيها وبدأت في الدعاء إلى الله، فلم تكن قادرة على إطلاق النار على الحيوان أو حتى على نفسها.

ثم حاولت أن تفتح عينيها لكنها لم تكن قادرة على ذلك ، شعرت بالدفء ولكن لم تعرف أين هي. لكنها فقط تقول اه اه ثم شعرت بمنشفة دافئة على جبينها، وشعرت في لمسة احد على راسها وعليها. ثم سمعت صوتًا يقول: "أنتي بخير، أنتي بخير"، تكرر قوله بلا توقف.


"أيها القراء الأعزاء، إن القصة لا تزال في بدايتها، وهناك الكثير من المفاجآت والتحديات التي تنتظركم في الأفق. ندعوكم للبقاء معنا ومتابعة تفاصيل هذه الرحلة المليئة بالإثارة. لا تكتفوا بالانتظار فقط، بل شاركونا آراءكم وتوقعاتكم في التعليقات أدناه. ولا تنسوا متابعتنا على صفحتنا على فيسبوك لتكونوا أول من يعلم بكل جديد وتطورات المغامرة. استعدوا للفصل القادم حيث تتكشف المزيد من الأسرار وتتسارع الأحداث. هل أنتم مستعدون للمزيد؟ ترقبوا واستمتعوا برفقتنا!"


<><>





الفصل الثاني : نبض الحياة في صراع البرد


شعرت بيسان بتأثير هادئ بشدة، حيث كانت تشعر باحد يفرك جبينها ورأسها، مما أضفى على روحها الهدوء. كما كانت الحرارة الدافئة في المكان تلامسها بشكل لطيف، مما جعلها تشعر بالراحة الكبيرة.


سألها الشخص بلطف: "ما اسمك؟" ولكنها لم تجد قوة للرد. في هذا الوقت، سمعت بيسان صوت حيوان قريب، مما دفعها إلى الصراخ بفزع: "لااااا لااااا، ساعدوني!"

قال الرجل بقوة: "اصمتِ يا ماكس، اتركها وحدها." ثم التفت إليها واذ هي في حالة الاغماء الناتجة عن الرعب، قال لها برقة: "استيقظي، هيا، استيقظي." ثم صفعها وشعرت بصفعة على وجهها فاستيقظت ، وظهر لها صورة ضبابية لرجل لم تكن ملامحه واضحة بسبب التعب والاغماء. فسألته بتردد: "هل أنت لؤي؟" رد عليها قائلاً: "لا، أنا ماهر. ما اسمك؟" أجابته بيسان.

ماهر بلطف: "حسنًا بيسان، اشربي بعض الماء." رفع رأسها وقدم لها كوبًا. وتابع: "أنتِ بحاجة للشرب والأكل، لقد مضى وقتٌ طويل " ثم سمعت بيسان صوت الحيوان مرة آخرى، فصرخت من جديد: "لااااا لااااا!" وأغمضت عينيها بفزع.

ماهر بتأكيد: "اهدي، لن يؤذيك." ثم أمر الكلب قائلاً: "تعال إلى هنا يا ماكس." أخذ يدها ووضعها على فرو الكلب، وبلطف بدأت تمسحها عليه. وأكمل بقوله لها: "انظري، لا تخافي منه."

بيسان: "أنا بخير، أنا بخير،" تكررت كلماتها
ماهر: "نعم،" أجاب وهو ينتظر بصبر، "هيا، افتحي عينيكِ." أمرها وسندها على الوسائد. "عليكِ أن تشربي، بيسان، هل تسمعيني؟"
بيسان: "نعم،" فتحت فمها وسكب الماء فيه.
ماهر: " ها أنتِ ذا، جيد جدًا. الان انظري إلي..."

بيسان فتحت عينيها ببطء مرة أخرى، وهذه المرة نجحت في رؤيته بشكل واضح أمامها. أدهشها شكله، كان متسخًا، وشعره طويل وداكن، ولحيته كانت طويلة ومشعثة بشكل يكاد يخفي وجهه، كان كلبه جالسًا بجانبه.

بيسان: "أتذكر أنني رأيت هذا الكلب، اعتقدت أنه كان ذئبًا. أتذكر أنني حاولت إطلاق النار عليه."
ماهر: "من الجيد أنك لم تفعلي ذلك، لقد وجدك ماكس. ركض ماكس أمامي، وكنت أعلم أنه كان يتبع شيئًا ما، لكنني لم أتخيل أبدًا العثور عليك."

قاطعته بيسان قائلة: "لؤي، هل وجدت لؤي؟ هل هو بخير أيضًا؟"

ماهر: "لقد كنتِ تسألين عن لؤي منذ بضعة أيام. من هو لؤي؟"
بيسان: وجهها مصدوم، وتسأل ماهر: "بضعة أيام؟ هل تقصد أنني هنا منذ بضعة أيام؟"
ماهر: "نعم، منذ أربعة أيام. لم يكن هناك أحد سواكِ، ولم أرَ أي شخص آخر."
بيسان: تجيب وهي تبكي، "لقد سقط عند الشلال."
ماهر: "وجدك ماكس على بعد امتار تقريباً من الشلالات."
بيسان: "وكيف وصلت أنا إلى هنا؟ اخبرني لانني لا أستطيع تذكر أي شيء بعد رؤية الكلب ماكس عندما اعتقدت أنه ذئب."
ماهر: "لقد حملتُكِ أنا بعد ان دلني عليكي ماكس."
بيسان: "هل نحن قريبون من الشلالات؟ ربما لا يزال لؤي هناك، وربما هو بخير أيضاً. هل يمكنك العودة والنظر؟ اتوسل إليك، أنا أرجوك، اذهب وابحث عنه."
ماهر: "لا يا بيسان، لم يكن هناك أحد آخر، ولقد مر وقت طويل وألقت العواصف علينا كومة من الثلوج."

ثم قام ماهر، وتوجه نحو المنضدة الخشبية. كسر بيضتين في مقلاة ووضعهما فوق النار، وبعد لحظات جلس بجوارها. وقال وهو يضع اللقمة في فمه، "لقد كنت جائعًا بالتأكيد. هل عندك هاتف؟"

بيسان: أجابت وهي مشغولة بتناول البيض، "لا."

ضحك ماهر بصوت عالٍ ثم سأل، "هل تملكين سيارة؟"

بيسان: ردت لا، وماهر ضحك مرة أخرى. ثم أضاف، "أعلم لأنه لا يوجد طرق هنا، ولا يمكنك أن تاتي بالسيارة إلى الجبل لأنه مغطى تقريبًا بطبقة سميكة من الثلوج، يبلغ ارتفاعها ستة أمتار."

بيسان: أعربت عن دهشتها، "ستة أمتار؟ لقد قال لؤي إن الثلج بعض الأميال فقط وليس أمتار."

ماهر: سأل بغضب، "ماذا تفعلوا هنا بحق الجحيم؟"

بيسان: "كنا نستكشف فقط. لقد قام لؤي من قبل بالعديد من رحلات والمشي لمسافات طويلة في الجبال."

ماهر: "كم كان أحمق، هذا الجبل ليس للهواة."

بيسان: بدأت الدموع تتساقط من عينان بيسان وهي تدافع عن لؤي ورفعت صوتها، "لم يكن أحمق!"

ماهر: "نعم، على ما أعتقد لم يكن علي أن أقول ذلك. أنا لا أجيد التعامل مع مشاعر الآخرين، لأنني انا وماكس فقط هنا."

بيسان: "كم تبعد المدينة؟"

ماهر: "ست ساعات أو سبع ساعات أو نحو ذلك سيراً على الأقدام."

بيسان: "هل تبقى هنا وحدك طوال الوقت؟" قالت بدهشة.

ماهر: "نعم، أحب العيش بهذه الطريقة."

بيسان: تحاول أن لا تبكي وتقول له، "شكرًا لك على إنقاذي وإحضاري إلى هنا."

ماهر: قال وهو يسحب ذراعها، "عليكي النهوض والمشي قليلاً."

بيسان: "حسنًا، أنا بحاجة للذهاب إلى المرحاض."

ماهر: ضحك بصوت عالٍ ثم قال، "انظري إلى ذلك الدلو الموجود في الزاوية، هذا هو المرحاض."

بيسان: "ارجوك، قل أنك تمزح." قامت وهي تنزع البطانية وصُدمت بذهول، ثم صرخت، "لماذا أنا عار؟" وغطت نفسها بسرعة، بدأت تشعر بالخوف من رجل الجبل الغريب هذا.

ماهر: نظر بغضب ثم قال، "لأنك كنتِ مبتلة، هل كان يجب علي أن أتركهم مبتلين وأتركك تتجمدين حتى الموت؟"

بيسان: "أين هم ملابسي الآن؟"

ماهر: "لا يمكنك ارتدائها، فهي مليئة بالدماء." نهض وفتح صندوقًا خشبيًا صغيرًا ثم تابع القول، "ارتدي هذا الآن."

بدأت بيسان تحاول ارتداء الكنزة وهي لا تزال ضعيفة جدًا، جلست وحاولت، لكنها لم تتمكن من القيام بذلك، ثم بدأت في البكاء مرة أخرى.

ماهر بدت على وجهه علامات التذمر منها، ثم بدأ يلبسها. كانت ساقها مزرقة من المكان الذي سقطت فيه عدة مرات. ثم نظرت بيسان على المكان، كانت مقصورة شاحنة قديمة، وواضح أنها شاحنة قديمة جدًا ومعطلة وهو يستخدمها كغرفة. كانت هناك طاولة خشبية بها مقعد واحد، وخزانة صغيرة، ومنضدة خشبية بها بعض الكؤوس والأطباق. لم تكن هناك نوافذ أو جدران، وبالطبع كان هناك الدلو الذي كانت في أمس الحاجة إليه.

بدأت بيسان بتحريك ساقها على جانب السرير، ولكنها أدركت أنه ليس سريرًا حقيقيًا. كان للسرير أربعة أعمدة تشبه الأشجار، وكان هناك حبل سميك متشابك بين الإطار الخشبي، وبطانية موضوعة على رأس الحبل. كانت عملية الخروج من هذا السرير الغريب في مكان غير الغريب صعبة، وساقها التي كانت لا تزال تؤلمها، كان الأمر أكثر تعقيدًا. حاولت الوقوف وفقدت توازنها.

ماهر: "قفي، دعيني أساعدك." بدأ يفرك ساقيها وفخذيها، محاولًا إعادة الدورة الدموية إلى هذه المنطقة. ثم تابع قائلاً، "ستحتاجين إلى بعض الوقت، سوف ابقى افرك فخذيكي" نظر إلى الأعلى ليرى ردة فعلها.

لم تظهر بيسان أي ردة فعل، وكانت تحاول أن تكون حذرة للغاية تجاه هذا الرجل الغريب، لا تريد أن تجعله غاضبًا أو تظهر نكرانًا لما فعله من أجلها حتى الآن. كانت تتحلى بالحذر أثناء تعاملها مع هذا الرجل غير المألوف. ثم قادها من ذراعها وسندها حتى وصلت إلى الدلو.

ماهر: "يوجد ورق الشجر موجود خلف الدلو، استخدمي هذه الأوراق لتمسحي بها."

بيسان: "استدر لو سمحت."

ماهر: تمتم ببعض الكلمات وهو غير مهتم وفعل كما طلبت منه.

ثم عاد عندما تعثرت في المشي وامسكت البنطال الذي كان لا يزال موجودًا على السرير. على الرغم من أنها لا تستطيع ارتدائه بنفسها، إذ كانت الكنزة التي ترتديها أكبر منها بخمسة مقاسات على الأقل، إلا أنها كانت تشبه الفستان بالنسبة لها. وزنها كان حوالي 45 كيلو، وطولها 155 سنتيمترًا، بينما كان طول ماهر يقارب 2 متر ووزنه 90 كيلو على الأقل.

قال ماهر وهو يمسك بنطال الجينز منها بفارغ الصبر: "تمسكي بي، حتى لا تسقطي، وسأرفع رجلك." ثم فعلت بيسان كما قال لها، وسحب البنطال بلطف شديد حتى وصل إلى خصرها، ثم ربط شيئًا مثل الحزام على خصرها بطريقة جيدة ولف الجزء السفلي من البنطال لتكون قادرة على المشي.

ثم ذهبوا إلى حفرة النار، وتبعهم ماكس وجلس بجانبهم.

بيسان: "كم الساعة؟"

ماهر: "ليس لدي أي فكرة." ثم تابع قائلاً، "ولماذا تسأل؟ الوقت غير مهم. تناولي الطعام عندما تكوني جائعة ونامي عندما تكوني متعبة. ليست هناك حاجة للوقت في عالمي."

بيسان: "هل هناك أي فرصة للاستحمام؟"

ماهر: "لدي دلو أكبر وهناك ماء دافئ على النار." أجابها دون أن يضحك هذه المرة، لأنه علم أن أسئلتها لم تكن تهدف إلى عدم الاحترام، بل كانت مجرد استفسارات بسبب الجهل من جهتها.

ماهر: "هل ترغبين في الاستحمام؟"

بيسان: "لا أعتقد أنني سأنتظر حتى الغد، عندما أشعر أنني أقوى." ثم تابعت قائلة، "هل يمكنني الاستلقاء على السرير؟"

ماهر: "بالطبع." ثم ساعدها على العودة إلى السرير.

بيسان: "شكرًا لك."

استلقت بيسان وأغمضت عينيها، لكنها بعد قليل سمعت صوت صب الماء. كان الضوء خافتًا في المقصورة، مستنيرًا فقط بوهج النار. فتحت عينيها ورأت رجل الجبل يقف أمام النار، يستخدم الماء الدافئ من دلو ضخم للاستحمام.

وقف الرجل عاريًا تمامًا، وكان ضوء النار يلقي ظله على جسده. عندما حاولت أن تنظر في اتجاه آخر، ثم بعد دقائق شعرت بوجوده يستلقي بجانبها على السرير. بيسان صرخت، "ماذا تفعل؟" وكانت في حالة خوف شديد.

ماهر : "أنا ذاهب للنوم."

بيسان : همست بخوف "من فضلك، لا تؤذيني."

ماهر: "ماذا؟ أنا لم أفعل شيئًا سوى مساعدتك والاعتناء بك منذ أيام." ثم صاح بنبرة صارمة، "أنا لن أؤذيك."

بيسان تسأل بخوف ودموعها تتساقط مرة أخرى، "ماذا تفعل إذًا ولماذا أنت عار؟"

ماهر: "أنا عار لأنني غسلت ملابسي للتو، وهي مبللة. وأنتِ لديك الملابس الوحيدة التي أملكها. وإذا كنتِ تسألين عن السبب الذي يجعلني مستلقيًا بجوارك، أجيبيني، أين ترغبين أن أكون؟ هل تعتقدين أنني يجب أن أكون على الأرض الثلجية لتشعري بالراحة؟"

كان ينظر اليها، وكانت عيناها تملؤهما الدموع. ثم قال بغضب، "يمكنكِ الذهاب والنوم على الأرض الثلجية، أو ربما تفضلين الذهاب إلى الحظيرة مع الدجاج. لدي حظيرة دجاج خلف المقصورة."

بيسان: "لا، لا، أنا آسفة جداً. لقد اعتقدت أنك ستفعل شيئًا غير لائق بجسدي."

ثم شعرت بالحرج من توقعاتها، إذ كان لطيفًا للغاية معها. قالت بامتنان، "أشكر الله على وجودي هنا وعلى الدفء الذي أشعر به. أنا ممتنة جدًا، أنا آسفة مرة أخرى."

ماهر: "أعطني بعض البطانية." انتزع اللحاف بغضب، ثم سمعت صوت الشخير الهادئ الخاص بماهر، فأغمضت عينيها ودعت إلى ربها مرة أخرى.


"أيها الأصدقاء، رحلتنا لم تتوقف بعد، وهناك العديد من التحديات والمفاجآت التي تنتظركم. ندعوكم لمتابعة هذه القصة المليئة بالإثارة ولكن قبل ان نكمل ننتظر منكم ان تشاركونا آراءكم وتوقعاتكم في التعليقات، وتابعونا على صفحتنا على فيسبوك لتكونوا على اطلاع دائم بآخر التطورات. استعدوا للفصل القادم حيث تكشف المزيد من الأسرار وتسارع الأحداث. هل أنتم جاهزون لمزيد من التشويق؟ ترقبوا واستمتعوا برفقتنا!"

https://shallowgift.com/b-3/V.0yPx3fp/vObFmrVgJNZCD/0a1aN/D/EOyUNfT/gp0CLmTRUM0cMwTXIr1/OIDjUA